{[['']]}
فقط
ثلاثتنا (انا، وظلي، وانعكاس مرآتي) نتوسط الغرفة الفارغة، في بيتنا الفارغ، وسط الحارة
الفارغة.
الخوف
يتنافس مع الظلام في التخييم على الحارة، لاصوت يعلو فوق صوت القذائف، أزيز الرصاص
يخيط الأزقة، ورائحة الموت تلتهم المكان بشراهة، رائحة تشمها الروح قبل الأنف، فتصيب
الكل ثم يأتي الموت ليختار ضيفه او مستضيفه فالموت هو الضيف وهو المستضيف..!
أمي
نزحت وكذلك إخوتي، وبقينا ثلاثتنا فقط (انا، وظلي، وانعكاس مرآتي)
اليوم
العشرون من بداية الحرب ولم اسمع صوت أمي، كذلك ظلي يفتقدها.!
أصوات
القذائف ترج البيت ورائحة البارود تطرق نوافذه.!
وأنا
أتنقل بمللٍ من غرفة إلى غرفة وظلي الشاحب يتبعني بكسل.!
يرن
هاتفي برقم أحد إخوتي، أرد فتتناقل المكالمة بين إخوتي جميعا، كلهم كانوا يسألونني
عن الأوضاع وعن أحوال البيت والحارة، إلا أمي عندما أجبتها سألتني عن أحوالي أنا، وعن
صحتي، وعن وضعي مع الأكل والشرب.!؟
لم
أخبرها بالورقة التي كتبتُ فيها عدد حبات البطاطا والطماطم والتمر وأنا احصيهن، وأجرد
كم تبقى من الأرز والسكر والغاز في اسطوانته، وأن جيبي فارغ تماماً كفراغ تجار الحروب
من الإنسانية.!
لم
أخبرها أنني قسمت الماء المخزن في الحمام نصفه للشرب والنصف الآخر للوضوء. وأن النوم
نزح عني، وكذلك الإحساس بالشبع نزح هو الآخر!
قلت
لها فقط: أنا بخير، وأنا لست كذلك وهي تعلم ذلك مثلما اعلم انها تحبس دموعها وستفرج
عنهن بعد انتهاء المكالمة.
انتهت
المكالمة وعاد الإحساس بالملل يتبختر أمامي دون باقي الأحاسيس! لماذا لم يأت الخوف
بدلا عنه؟! لماذا لست خائفا.؟!
هل
هو التبلد الذي يصيب الموتى؟ أم أنها الشجاعة التي تميز الأحياء؟!
لكنني
لست ميتاً وأيضاً لست حياً..!
أنا
شيء بينهما لا أعرف كنهه! شيء سائح في فراغ كئيب يحاول الحفاظ على ماتبقى من مشاعره
الإيجابية قبل أن تغزوه سلبية الواقع.!
القذائف
تزداد، و الأبواب ترتج، وأنا أراقب ظلي المتكئ على الجدار دون ملامح، أحارب الملل بتلك
الطريقة التي أعد فيها أصوات الانفجارات، وتمييز نوع الرصاص ومعرفة القذيفة من اي الفريقين
هي.!
أحاول
عابثاً النوم دون جدوى، أحاول الموت دون جدوى، أحاول الحياة أيضا دون جدوى.!!
نزحت
الحرب وعادت أمي، ووجدتها تبكي.! عرفت من إخوتي أنها وجدت ورقة كنت كتبتها في تلك الأيام،
وأخبروها أن تلك الورقة هي وصيتي فبكت.
أمي
لاتعرف القراءة والكتابة جيداً، فقط تستطيع أن تقرأ القرآن.!
كيف؟
لا ادري.!
كذلك
الرجل الأفريقي الذي التقيته ذات مرة وهو يقرأ القرآن من مصحف _مكتوب بالعربية_ فسألته
بالإنجليزية: هل تتحدث اللغة العربية؟
قال:
لا، فقط أستطيع قراءة القرآن.!!
أخذت
الورقة من أمي، وقبلت خدها، ومزقتُ الوصية.
ذهبت
تلك الأيام وجاءت غيرها..
ومرة
أخرى عادت الحرب، ونزحت أمي، وتوسطنا ثلاثتنا الغرفة (انا، وظلي، وانعكاس مرآتي)
لكن
هذه المرة كانت الحرب مختلفة.!
القذائف
تطورت لصواريخ، وأزيز الرصاص أصبح هدير لنفاثات الطائرات الحربية، ورائحة الموت التي
كانت تعبق في الحي، أصبحت تعج في الوطن بأكمله، كل شيء تطور للأسوأ إلا مشاعري الإيجابية
كانت أحسن حالاً عن السابق.!
اتصلت
أمي وقت المغرب، كان ذلك أول يوم في رمضان وسألتني: هل لديك إفطار؟
وقبل
أن أجيبها ارتج الحي بصوت صاروخ من غارة جوية..!
وبنبرة
مرتجفة سألتني: ماهذا الصوت ياولدي؟
فأجبتها
كاذباً: هذا صوت مدفع رمضان يا أمي..!
وهي
تعلم أنني اكذب، وتعلم أن مدافع رمضان صامته منذ اللحظة التي لعلعت فيها مدافع وصواريخ
الحرب.
قصة لعنة الحرب بقلم / مأمون غالب السماوي |
مسابقة #عيدية_كاتب في القصة القصيرة
(مجموعة اليمن تكتب).
|
|
المشاركة الفائزة بالمركز
الثالث:
|
|
أســـم المشاركــــة:
|
لعنة الحــرب
|
كاتب المشاركـة:
|
متابع بشغف لما تجود به أقلامكم
ردحذف