قصة ( العناق الأخير) المشاركة الفائزة بالمركز الثالث في مسابقة أقلام وقصة.

{[['']]}
مسابقة #أقلام_وقصة في القصة القصيرة        (مجموعة اليمن تكتب).
المشاركة الفائزة بالمركز الثالث:
أســـم المشاركــــة:
(العنـــــــــــاق الأخــــــــير)
كاتب المشاركـة:
هناك، حيث غبار الموت يحلق منتشيا بأرواح القتلى التي امتزجت به!
حيث حمرة الأعيرة المشتعلة في الهواء تبدو كغمامة مضرجة بالدم تمطر جرحى وقتلى، وتحجب زرقة السماء عن الأرض باهتة اللون.

كان ذلك فوق تبّة من تباب الموت في نهم شرقي صنعاء، هناك يضيق المكان بالحياة، فتنحسر وتُحاصَرخلف ساترٍ ترابي!
كانت الشمس حينها تزحف آيلة ًإلى الغروب، وعلى الأرض يحاكيها زحف كبير بدأته قوات( الشرعية) على مواقع الحوثيين!!

اشتدت المواجهات ، القذائف الكثيفة المتبادلة تتناطح في الهواء، تشتعل الدقائق أكثر فأكثر.
نصف ساعة من الجحيم أُجبرَ الحوثيون إثرها على التراجع.
بدأ الانسحاب وبدأ معه صمت القذائف وسكون البنادق.
تقدم مقاتلو (الشرعية) بحذر نحو مواقع الحوثيين الخالية، وفجأة توقفوا وانبطحوا!!
ما زالت خلف السواتر بندقية وحيدة ترسل النار عليهم!
كان ذلك المقاتل المتبقي خلف الساتر عائقاً يمنعهم من التقدم أكثر.
بدأ القائد يشاور من معه في تدبر أمر المقاتل الذي بقي ولم ينسحب، وأثناء الحديث المتبادل، رفع أحد مقاتلي (الشرعية) يده اليمنى ملوحا بها لقائده يطلب الكلام، كان شابا عشرينيا يفيض جسده نشاطا وحيوية، بدت الحماسة ساطعة بين عينيه.
طلب المقاتل الشاب من قائده أن يعطيه إذنا؛ لكي يتسلل ويُسكت بندقية المقاتل المتبقي من الحوثيين ، ابتسم القائد، وفورا أعطاه الإذن

متوشحاً حذره يصل مقاتل (الشرعية) مترس المقاتل الحوثي ، يثبط حركته بلف حبل المباغتة عليها سريعا .
يتقدم إليه بعد أن أخذ سلاحه، و يكشف عن وجهه المختبئ تحت اللثام (الشال) كطفٍل يختبئ تحت أحد أسِرَّة المنزل خوفا من عقاب والديه.

ثم كانت المفاجأة!!
- نور الدين!!
- من ؟! عزام ؟!
اعترتهما عاصفة الدهشة! ، كانت نظراتهما تنطق بذلك!

الصديقان الذان جمعتهما كراسي الدراسة، هاهما يجتمعان خلف سواتر الموت!

طوفان من الأسئلة والاستنكار يدور في مخيلة كل واحد منهما!
تبادلا نيران الاتهامات والتخوين ، كل منهما يجتهد في اثبات عدالة قضيته التي جاء ليذود عنها، وإجرام وخطأ صديقه!
امتد حبل الجدل بينهما،لايزال كلٌ منهما متشبثا بقناعاته.
أدركا أن المراء لن يوصل إلى نتيجة، فقال عزام :
_ تذكّر يا نور الدين، حين كنا نختلف في عدة قضايا، ثم نصل إلى نقطة تلاقٍ بيننا، والجميع كان يضرب بصداقتنا المثل. فما الذي حصل؟ أليست السلالية المقيتة هي من جعلتك هكذا؟!

يصمت نور الدين برهة، ثمّ
، يحاول القيام ليرد على كلام عزام، ثم ما يلبث أن يجثو على ركبتيه!!

لاحظ عزام بخوف واستغراب ذلك!
دنا من صديقه ليطمئن عليه :
- صديقي ما بك؟ أنت جريح! لماذا لم تخبرني، هيا تعال أحملك على كتفي لإسعافك، هيا انهض. . .
- لا عليك إنه جرح بسيط ثم أنه في القدم، وليس في القلب

أخرج عزام قطعة قماش من جيبه وربط بإحكام جراح صديقه، ثم أخذ بيده لكي يساعده على النهوض.

تثاقل نور الدين، وأخذ يشد يد عزام نحو الأسفل، واستأنف حديثه وكأنه غير مبال ٍبالدماء التي تسيل من قدميه :

ظهرت الجدية على ملامح عزام، ثم قال:
- دعنا من هذا الآن وقم معي لأسعفك فأنت جريح.

- لن أستطيع الذهاب معك، غادر بسرعة، سيشن زملائي الآن هجوما مضاداً، و لا أريدك أن تكون فريسة لها، فهيا عد إلى رفاقك بسرعة.

- لن أتركك ..
- هيا يا عزام، قلت لك اذهب بسرعة ، ها قد بدأ الهجوم!


بدأ الحوثيون هجومهم المضاد، وعادت أصوات القذائف ترعد وتزمجر أشدّ مما كانت في الهجوم السابق، كان هجوم الحوثيين عنيفا، أعداد كبيرة، ونيران ممطرة على المهاجمين من مقاتلي (الشرعية) أجبرتهم على التراجع...

صمتت القذائف بعد الهجوم الخاطف، واقترب ثلاثة من مقاتلي الحوثي، شاهرين أسلحَتَهم نحو عزام، يطلقون النار بجانبه طالبين منه الاستسلام.
حينها وقف نور الدين أمام عزام وصاح بأعلى صوته :
- لا تطلقوا النار، هذا صديقي هذا صديقي.
اقترب الثلاثة، وقد اشتاطت وجوههم غضبا! وبنادقهم مصوبة نحو صدر رفيقهم، وصرخ أحدهم في وجهه :
- إذاً أنت هو الخائن العميل بيننا، سيكون حسابك أنت ورفيقك الداعشي عسيرا.

يسحبهما أحد المقاتلين بقوة، يلقي بهما على ظهر الطقم مكبلي الأيدي، ثم تحرك الطقم مسرعا!

أمامهما أحد المقاتلين فمه مملوء بالقات!
يرتدي سلاحه على كتفه وكأنما يحمل طفله الرضيع الذي يخاف عليه !

الصديقان المأسوران يتبادلان النظرات،
كلٌ منهما ينظر نحو السماء، وكأنه يشير إلى صديقه أن انظر إلى تلك النجمة الراقصة في السماء!
وكأن النجمة أقامت عرض فيلم سينمائي لكل ذكرياتهما التي تقاسما معا كل تفاصيلها !

ثم تسقط الدموع من عيونٍ حمئة.

ينظر كل منهما نحو الآخر
تخاطب الدموع بعضها بصمتٍ، قائلة ً:
لمَ خانتنا الحياة؟
لمَ أُردينا إلى هذا المصير؟
ماكان ذنبنا؟

وبينما هما كذلك!

إذ بصوت الطائرة يقترب شيئا فشيئا...
زاد الطقم من سرعته الجنونية خوفَ استهدافه!
سقطت الصاروخ! مات الجميع!
أما الصديقان، فتبقت لهما بضعة أنفاس، وكأنها وُهبت لهما؛ ليقوما بمراسيم وداعٍ لتراب الوطنٍ.
غادرا ببراءة ، وأحلامٍ لمْ تبلغ الحُلْمَ بعد!
التفتت عينا أحدهما ؛ لتطمئن على صديق نأى عنه طويلا؛ لظلمِ الوقت وضيق الزمان!
تعانقت عيناهما عناقا حارا ملوناً بلون الدم وبعض توابل الدمع،
ابتسما وكأنهما سيزفان إلى حفل تخرجهما، الذي لطالما أرادا أن يُزفّا فيه متعانقي الأيدي.

هاهما يزفان في حفل تخرجهما الأخير متعانقي الأعين، كلٌ منهما يرتدي أشلاءه، وربطةَ عنقه المميزة بلون الدم!
يحملان في كفّيهما باقاتِ رملٍ، وبقايا وطنٍ خذلهُ الجميع.


شارك الموضوع ليراه أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
إتضل بنا | فهرس المدونة | سياسة الخصوصية
جميع الحقوق محفوظة لموقع شبكة أجداور
Created by Maskolis Published by Mas Template
powered by Blogger Translated by dz-site