{[['']]}
أوّل أميـــر يرســـم حـــدود سياسية لإمارته مع ولايـة اليمن العثمانيّة
بقلــم الباحــث/شايـف الحـدي
☜ هذه الصّورة تُعدُّ من أقدم الصّور لأمير إمارة الضّالع في نهاية القرن التاسع عشر بعقال سلاطين وأمراء العرب وخنجر تراث الجنُوب العربي, الذي تولى الإمارة بعد وفاة ٱبن عمه الأمير علي مقبل بن عبدالهادي حسن الأميري من الفترة (1886م ــ 1911م), كما أوردها الكولونيل هارولد. فيتنون. جاكوب في كتابه الشهير (ملوك شبه الجزيرة العربيّة), وهي للأمير ــ شايف بن سيف بن عبدالهادي بن حسن بن أبوبكر بن حسين بن أحمد بن عبدالهادي بن أبوبكر بن أحمد بن صالح بن شعفل بن قاسم بن شعفل الأميري.
وفي عام 1903م تم أختيار ودعوة الأمير شايف بن سيف لحضور حفل تتويج أدوارد السابع ملكًا لبريطانيا في دلهي الهندية هو وسلطان لحج وسلطان الشحر والمكلّا من أمراء وسلاطين الجنوب العربي.
وفي 28 ديسمبر عام 1904م وقّع مع التاج البريطاني معاهدة حماية وصداقة من أيّ أعتداء خارجي.
ومرةً أُخرى تمت دعوته في عام 1911م هو وسلطان لحج وسلطان الشحر والمكلّا وتمّ إضافة سلطان الفضلي وسلطان المهرة وسقطرى ــ أيضًا ــ لحضور حفل تتويج الملك جورج الخامس ملكًا لبريطانيا في دلهي الهندية؛ وقد توفي الأمير شايف بن سيف الأميري أثناء حضوره هذه المناسبة وتمّ دفنه في دلهي في يوم الجمعة 22 ديسمبر 1911م الموافق (١ محرم 1330هـ), وقد كان مرافقًا له في هذه الزيارة إلى الهند وفد من إمارة الضالع على رأسه أبناء الأمير سيف بن شايف الأميري والأمير علي بن شايف, والأمير عبدالله بن عبدالقوي؛ وكذلك عدد من مشائخ قبائل الضالع ومنهم الشيخ قاسم محمد الزُبيدي والشيخ عبدالله هادي والشيخ علي بن محمد مقبل والشيخ علي مثنى, وبعد وفاته تمّ أختيار ٱبنه الأمير نصر بن شايف بن سيف بن عبدالهادي الأميري أميرًا لإمارة الضالع الأميرية وملحقاتها.
وتاريخيًا يجمع المؤرخون على أن إمارة الضّالع وملحقاتها ككيان سياسي سبقت قيام الدّولة المتوكليَّة اليمنيَّة بستمائة عام.
إِذ يعود تأسيس إمارة الضّالع إلى القرن الرابع عشر الميلادي, بينما المملكة المتوكليَّة اليمنيَّة الزيدية تأسست في القرن التاسع عشر وتحديدًا عام 1868م.
وجاء في كتاب (ملوك العرب) للرحّالة المؤرخ ــ أمين الريحاني, الذي زار الجنوب العربي وزار مملكة الإمام المتوكليّة اليمنيّة من الفترة 1920 ــ 1922م وألف كتابه الشهير في 27 آيار سنة 1924م و23 شوال سنة 1343هــ، وذكر في أحد فصوله ما يلي:" إمارة الضّالع إحدى النواحي التسع التي تربطها معاهدة حماية وولاء مع بريطانيا وهي أقدم السّلطنات الجنوبيِّة التسع وأصغرها...
وأضاف" وإذا ما انتقلنا من دور الولاء إلى دور الحماية فقد أصبح الإنكليز حلفاء صديقهم الأمير العربي والمسؤولين عن إستقلاله وسلامة ملكه, وهؤلاء يقطنون البلاد التي تُدعى (النواحي التسع) المحمية أيّ الجنوبيِّة, وإمارة الضالع يحكمها الأمير نصر بن شايف بن سيف الأميري, الذي اجتمعنا به بـ(سلطنة العبدلي) في لحج يوم كنا هناك؛ لأن الزيود كانوا قد أحتلوا الضالع وأخرجوه منها.
وأكّد أن الأمير المحارب نصر بن شايف بن سيف الأميري يستطيع حشد 1000 مقاتل من الجنود وراتبه الشهري 300 ربية... أنتهى كلام المؤلف)".
وفي عهد الأمير شايف بن سيف الأميري أستطاعت إمارة الضّالع أنَّ ترسم حدودها السّياسية في شهر مايو من العام 1903م مع ولاية اليمن العثمانيّة كأوّل إمارة جنوبيِّة تكون لها حدود دوّلية مع المملكة المتوكليّة اليمنيَّة التي كانت تحت الأنتداب العثماني قبل أن تكون مملكة في عام 1918م.
وكان السبب في ذلك حينما انتقل الصّراع على الحدود من (الدريجة) إلى (الضالع) عام 1901م, حيث شجعت هزيمة الأتراك في الدريجة بسلطنة الحواشب الأمير شايف بن سيف على نصب العلم البريطاني على ما اغتصبه الترك من أرض إمارته, بحجة أن إمارة الضالع تحت الحماية البريطانية, ولما اقتلع الترك العلم البريطاني لجأ أمير الضالع إلى الحكومة البريطانية طالبًا مساعدتها على استعادة ما تحت الترك من أرضه؛ لكن الحكومة البريطانية اكتفت هذه المرة بتقديم احتجاج إلى الباب العالي التركي, واتفقت معهم على تشكيل لجنة من الطرفين, تقوم برسم الحدود الدولية بينهما؛ فالحدود التي كانت تقسم اليمن إلى شطرين: شمالي وجنوبي, هي في الأصل حدود تفصل ما كان تحت سيطرة الأتراك من اليمن الشمالي عما كان خاضعًا لبريطانيا منها في الجنوب العربي.
وفعلًا بدأت لجنة الحدود المشتركة الأنجلو ــ تركية عملها برسم حدود إمارة الضالع في شهر فبراير عام 1902م, ورغم الحشودات العسكرية من الأتراك والبريطانيين إلى جبهة الضالع إلّا أن عملية رسم الحدود بعد ذلك سارت بسرعة وانتهت اللجنة في مايو 1903م من رسم خط للحدود من (نعوة) على سائلة وادي بَنَا بالطرف الشمالي الشرقي من (يافع السفلى) إلى جوار جبل (الشيخ سعيد),بباب المندب, وفي 20 إبريل 1905م صدر أمر من الباب العالي التركي إلى ممثليه في لجنة الحدود بالتوقيع على اتفاقية الحدود الدوليّة.
واستطاع هذا الأمير التأكيد والحفاظ على الهويّة الجنوبيِّة, والمحافظة على حدود إمارته مع الأقضية في ولاية اليمن العثمانيّة من خلال التصدي لمغازي الأئمّة الزيديين.
ومع انسحاب القوات العثمانيّة من بلدة الجليلة آخر معاقل التواجد العثماني ــ الزيدي بإمارة الضالع في 1903/3/22م بحسب اتفاق لجنة الحدود المشتركة الأنجلو ــ عثمانية؛ فقد استطاع أمير الضالع شايف بن سيف أن يبسط كامل نفوذه على أراضي إمارته التي كانت تحت الإحتلال العثماني ــ الزيدي وتمكن من إعادة بناء كيان إمارته بحدودها المعروفة بما يُعرف في الخرائط بـ(الخط البنفسجي الدّولي), والذي تمّ تأكيده والتوقيع النهائي عليه بين مجلس العموم والباب العالي في 9 مارس 1914م, بما يُعرف باتفاقية الحدود الدوليّة الأنجلو ــ عثمانية.
بيد أن هذا الأمير أثبت للجنة الحدود المشتركة الأنجلو ــ تركية بأن حدود إمارته واضحة المعالم من خلال المحاججة والوثائق وتبيان ممتلكات إمارة الضالع الأميرية, وكذا سجلات الضرائب والزكاة وولاء القبائل التي تقطن المناطق الحدودية لسلطته وسلطة أسلافه من الأمراء الذين حكموا المنطقة بالتسلسل الزمني منذُ أكثر من خمسمائة عام.
ودلت كل المصادر والمراجع والوثائق والسندات والتقارير والخرائط العثمانيّة والبريطانيّة أن إمارة الضالع وملحقاتها كانت أوّل إمارة جنوبيّة ترسم حدودها السّياسية مع مناطق ولاية اليمن العثمانية في شهر مايو 1903م وهذا كان بفضل حنكة الأمير شايف بن سيف وعلاقته مع حكومة التاج البريطاني وحبّ المغامرة من قبل هذا الأمير, كما ورد في الفقرات: [38, 39, 40, 41, 42, 43, 44] من تقرير لجنة ترسيم الحدود المشتركة الأنجلو ــ تركية.
وتعددت السّمات في وصف الأمير المحارب شايف بن سيف الأميري, أمير إمارة الضالع وملحقاتها بفارسها المغوار الذي عانى من شجاعته وفروسيته واقدامه جحافل الغزاة الزيود؛ فهو داهية من دهاة أمراء وسلاطين الجنوب العربي قاد قبائل إمارته للتصدي للغزاة العثمانيين والزيود, وكان ذو حنكة وحكمة وقوي الشكيمة وقائدًا محنكًا حكيمًا شهمًا شجاعًا مهابًا عند الأعداء مباهيًا بنسبه وعروبته الجنوبيِّة.
وبالعودة تاريخيًا وسياسيًا قليلًا إلى الوراء؛ فإننا نجد أن أوّل معاهدة حماية وصداقة وقّعت بين إمارة الضالع وملحقاتها وحكومة التاج البريطاني يعود تاريخها إلى 2 أكتوبر عام 1880م في عهد الأمير ــ علي مقبل بن عبدالهادي حسن الأميري, وكان حينها المقيم السياسي في عدن الفريق بريجيدير جاين Brigadir-gen. F. A. E. Loch
وإذا ما أمعنا في النظر إلى صورة هذا الأمير تبدو من ملامح وتجاعيد وجه بأنه قد عاصر أحداث تاريخيّة مهمة تأثرت بعوامل الزمن وعواديه, وكأن غبار المعارك مع الغزاة الزيود في بطون إمارته ما زال عالقًا في وجه؛ ولذلك فإن تاريخ حياة هذا الأمير صارت محط اهتمام الباحثين في التراث الجنوبي؛ لأن الحسّ الوطني لدى هذا الأمير يشهد له بأنه رفض المساومة مع العثمانيين والزيود ــ الذين نكّلوا بالسكان المحليين ــ على أرضه ورفض الأعتراف بأيّ أحقية للزيود في أراضي إمارته الجنوبيِّة, ولم يكن أميرًا ذو مصلحة يتم شراءه من الأعداء لكي يجود بأرضه ويهبها صفقة خاسرة للغزاة؛ بل كان أميرًا مقاومًا ورافضًا لسياسة (الضم والإلحاق وطمس الهويّة الجنوبيِّة), التي مارسها الأئمّة الزيديين في مختلف المراحل والمنعطفات التاريخيّة.
【المكتبة الوثائقية الأميرية】
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق