{[['']]}
المحتويات:
عرض نموذج للقصة القصيرة .
تحليل القصة من حيث: شرح العناصر الفنية في القصة.
نص القصة:
ترددت الصرخات من جانب الجبل ولم يكن في القرية
سوى أطفال ونساء مُسنات أما الرجال والنساء القادرون على العمل فكانوا في الحقول،
وردد الصدى أصواتاً مبهمة.. ومن الوادي كان رجال يحملون نعشاً تمدد عليه شبحُ
إنسان.. لم يكن قد مات بعد ..
القرية تحتويها شمس كئيبة.. وريح تصر، والأرض
ظمأى تنتظر المطر والسماء لا تنذر بشيء.. العام عام آخر من القحط.. تهز العجائز
رؤوسهن: لم أر أشد من هذه الأعوام. كانت أيامنا أيامَ خيرٍ. وتهمس نساء :
لقد هاجرَ الرجال .. وكانوا يعودون ، ولكن على
أكتاف رجال آخرين .. الآن النعش يزحف في عوارض الجبل ببطء .. العرق يتصبب من وجوه
الرجال .. وكانت أصوات لا تزال تسمع .. قالت إحداهن: هل تسمعون إحداهن: هل تسمعون
الصوت..
ولم يحمل الهواء سوى مقاطع مبهمة، العرق لا يشبع
عطش الأرض، ولكن الرجال يستمرون بإصرار في منح الأرض اليابسة مزيداً من عرقهم.
وردد الجبل الصدى: أوه .. أواه.
كان المنزل مغلقاً، حتى الطفلين كانا مع أمهما في
الأرض اليابسة. كانوا ثلاثة.. أمّاً وطفلين أرهقهم العمل.. جلست لتمسح عرق جبينها
وشرب الطفلان ماء. وصل سمعهم النداء .. هل عاد.. صاح الطفلان: "إنه أبونا..
يقولون إنه أبونا في الطريق إلى القرية". ركض الأطفال نحو الجبل.
وجمعت المرأة أشياءها القليلة وعادات لتستقبل
زوجها العائد، في أعماقها ضربات سرور. لقد عاد أخيراً في رحلة استمرت أعواماً لم
تعد تذكرها.. إنها بعمر صغيرها الذي يركض نحو الجبل لا يعرف حتى شكل أبيه. حملق
الأطفال في الرجال القادمين كانوا يسبحون في عرقهم، وسمعوا صوت أنين خافت من على
النعش. سأل الصغير بقلق: من هو أبونا؟
كان الكبير حائراً ، إنه لا يتذكر وجه أبيه فقد
غاب عنه ذلك الوجه منذ أن انعطف قبل سنواتٍ من إحدى منحدرات الجبل، وكان أخوه لا
يزال قابعاً في بطن أمه. نظر الرجال بصمتٍ إلى الأطفال وتجمعت نسوة فوق منازل
القرية. وحمل النسيم أصوات نساء: لقد عاد. يقولون إنه مريض. إنه محمول على جنازة.
لقد أصابه شيطان البحر..
كانت توقد المدفأة وتعد بقلب راجف قهوة للرجل
القادم. نظرت إلى نفسها صدفةً في مرآة محطمة.. كانت خائفة، لقد عجّّزت ولم تشعر..
بدأ من فوق دارها خيط من الدخان ستعدله عشاءً دافئاً. ذهبت تجري إلى ديمتها ..
أخرجت من تحت سريرها الخشبي القديم وعاء أسود، احتفظت فيه بكل ما جمعته من السمن..
حرمت نفسها وطفليها للعائد الذي اقترب موعد وصوله. كان الأطفال يتهامسون: لماذا هو
على النعش؟ أجاب الكبير: لأنه متعب.. سُمعت أصوات رجال على السلَّم: أحمل من تحت.
بهدوء. لا تجعله يهتز.. لعلهم يحملون أشياءه التي أتى بها معه. وسمعت صوت طفلها من
خلفها: إنه مريض.. إنه محمول على جنازة.
لم تشعر بأنَّ يدها كانت تلمس ناراً، تجمدت
عيونها على الظلام، وفي أعماقها كان يتفجر شيء غامض.. مخيف لا تعرفه. صوت الرجال
لا يزال على الدَّرج المظلمة: أين نضعه؟. هناك في غرفة النوم. لا .. لا .. الأفضل
في الفرش. هناك الهواء أكثر. وصاح أحدهم: أين أنت يا زوجة؟
لم تكن هناك.. أحقاً إنه لم يعد.. أحقاً أن ما
يحدث هنالك تحت هو شيء واقعي. غاب كل شيء عنها.. حتى عيون طفليها الفضوليين.. عاد
الرجال إلى القرية وكانت النساء يتحدثن عن أزمة القرية: ماذا ستصنع الآن زوجته؟
لعلها ستعتني بزوجها. يقولون إنه لا يملك شيئاً. لقد سرق الأطباء كل نقوده. همست
عجوز: لقد سحرته امرأة في المدينة. نظرت إلى الزاوية حيث مددوه، كان عظمياً أسمر،
لا شيء من ذلك الرجل. عيناه فقط تدلان على أن الوجه لـه. حملق الأطفال في الجسد
الممدود..
لم يتخيل الصغير أن هذا أبوه.. لقد رسم لـه في
أعماقه صورة أخرى عملاقة قوية، عاطفية.. كان كالأغنية التي كانت أمه ترددها وهي
تطحن مساء حبوب الشعير.
أما الكبير فلم يكن يعرف ماذا يفعل.. ظل مبهوراً
لساعات، أبوه الذي قبله لم يكن هو هذا الممدود هنا، لعل الرجال في الوادي أخطأوا
ونقلوا إليهم شخصاً آخر. ولكن أمه صامتة لا تتحدث أنها تنظر إليه، لعلها لم تتبين
الخطأ .. أماه .. إنه .. ليس. وقاطعة صوت أنين: أريد ماء .. ماء .. ماء ..
جرت الأم إلى زير الماء .. اقترب الطفلان من
الجسد. حتى العيون أغمضت .. لم تترك الأم مكاناً لولي إلا زارته، ولا سيداً إلا
نذرت لـه، ولا مسجداً إلا وأعطت من يقرأ فيه القرآن حبوباً وسمناً ولبناً. ولكنه
ظل على السرير، لا تتحرك عيناه، تزوجت بالسقف، ورأسه لا تتحرك ولكنه لم يمت .
تـحـليـل
الـقـصـة
*
التعريف بالكاتب :
هو محمد عبد الولي يمني الجنسية ولد سنة (1938م) بأثيوبيا..
نشأ في أديس أبابا ودرس في مدرسة الجالية اليمنية هناك سافر إلى القاهرة سنة (1955م)
ودرس المرحلة الثانوية ثم سافر إلى موسكو ودرس الآداب في معهد جوركي. عاد إلى
اليمن بعد ثورة 26سبتمبر وتقلد عدة مناصب حكومية كما عمل فـترة في المجال
الدبلوماسي لبلاده توفى سنه(1973م) .
* أهـم أعماله الأدبية : (المجموعات القصصية الآتية):
(الأرض يا سلمى). ( شيء اسمه الحنين) ومنها قصة ليته لم يعد.(يموتون
غرباء).
*
مــوضــوع القصة :
تتناول
القصة ظاهرة اجتماعية مأساوية في المجتمع اليمني ألا وهي ظاهرة الاغتراب عن الوطن
*
هـدف الكاتب :
أن ينقل إلى المتلقي رأيه في ظاهرة الاغتراب
والنزوح عن الوطن وهو الرفض لهذه الظاهرة الاجتماعية ولكن دون أن يصرح بهذا المعنى
مباشرة بل جعلنا تفهم هذا من خلال العرض الجيد وهو بهذا النهج يكون قد قدم معنى
الفن الصحيح وهو مما يمتدح الكاتب فيه .
*
السرد والوصف والحوار في القصة :
1) فالسرد: يتمثل في (حمل النعش ومعانة المحمول عليه، وعمل
المرأة وطفليها في الحقل وفرحة الطفلين بعودة أبيهما، واستعداد المرأة لاستقبال
زوجها وغياب صورة الأب عن طفليه وخيبة أمل الأم لمعرفة أنه مريض، وحديث نساء
القرية عن المريض).
* السرد : (يكون في الحاضر أو في استرجاع
الماضي):
· فالحاضر: يتمثل في الأحداث التي وردت.
· واسترجاع الماضي: يتمثل في تذكر الولد
الأكبر انعطاف أبيه قبل سنوات في إحدى منحدرات الجبل في طريقه للسفر.
* أنواع السرد :
· السرد المباشر : ويكون فيه الكاتب خارج
الأحداث مثل هذه القصة.
· السرد الذاتي : ويكون باستخدام ضمير
المتكلم فيكون الكاتب هو بطل القصة ويتحدث عن نفسه.
2) الوصف : يتمثل في : (القرية تحتويها شمسٌ كئيبة ، كان الرجل عظمياً
أسمر ، رسم له الولد صورة عملاقة).
3) الحوار : ويتمثل في : (حديث النساء ، حديث الأفراد) .
ومنه:
الحوار الداخلي (الصامت) ومنه مناجاة الزوجة مع نفسها .
* الحوار لا يخلو من تتابع الأحداث (علل): لأنه
صورة من صور السرد.
*
العناصر الفنية للقصة :
1) الأحـــداث :
هي مجموعة أحداث نسقها الكاتب لتخرج على شكل قصة وذلك
عن طريق تصويره لمشهد عودة أحد المغتربين إلى وطنه بعد أن امتصت الغربة قواه بما
في ذلك من موقف مأساوي لأنه صوّره وهو عائد محمول على الأكتاف بالشبح الذي لا نـفع
له أو منه.
2) الزمان والمكان :
· فالزمـــــــــــــان : ( العام عام آخر من القحط... ) .
· والـمـــــكــــــــان : ( القرية تحتويها شمس كئيبة وريح تصر... ) .
ملـحـوظـة :
ربما يكون الكاتب قد عنى بتصويره القرية وما تعانيه
من قحط الإشارة إلى فترة القحط الطبيعي والجدب النفسي والاجتماعي والتخلف المخيم
على اليمن في ظل الإمامة آنذاك .
3) الشخصيــات :
انقسمت الشخصيات عند الكاتب إلى نوعين :
·
شخصيات
رئيسية: وهم أربع شخصيات : (الأب)،(الأم)،(الابن الأكبر)،(الابن الأصغر).
· شخصيات ثانوية: (الرجال
الذين حملوا النعش)،(نساء القرية)،(العاملون في الحقل من الرجال والنساء ).
ملـحـوظـة :
الكاتب لم يضع أسماء محددة في قصته وذلك لإضفاء طابع العمومية على القصة فالعائد
يمكن أن يكون رمزاً لكل مغترب في أي زمان وفي أي مكان ولأن ظاهرة الاغتراب ظاهرة
عامة فلهذا لم يحدد.
4) أسلوب القصة : (لغة القصة المستخدمة) ، (طريقة العرض) .
· لغـة القصـة: لجأ الكاتب إلى استخدام
اللغة الفصحى بالإضافة إلى الفصحى في الحوار أيضاً بالرغم من انتشار العامية في
ذلك الوقت وهذا يدل على أن الكاتب مؤمن بأن الواقعية هي واقعية الفكر والسلوك
وليست واقعية اللغة.
· طريقة العـرض : لجأ الكاتب إلى استخدام
أسلوب السرد المباشر حيناً وإلى الوصف حيناً آخر وإلى الحوار إذا اقتضى ذلك وذلك
لكسر الحدة التي من الممكن أن تتولد في نفس المتلقي من كثرة السرد وهذا مما أدى
إلى إبراز الحدث وما أراده الكاتب من أفكار ومعان لتصل إلى المتلقي بصورة جميلة
ومؤثرة .
ملـحـوظـة :
· استخدم الكاتب بعض العبارات الموحية
والمعبرة في هذه القصة من مثل: (ليته لم يعد) العنوان، (ولكنه لم يمت) نهاية القصة:
فهما تبرزان صرخة الرفض للاغتراب إذ يعود المهاجر ميت النفس حي الجسد وهنا تكون
الكارثـة. (لم تترك الأم مكاناً لولي إلا زارته ولا سيداً إلا نذرت لـه ...): فهي توحي
وتدل على شدة الجهل المسيطر على الأم وانتشار العادات السيئة النابعة من هذا الجهل
.
· الواقعية عند
الكاتب :
تتمثـل فــي :
1- اختيار الموضوع فهو واقعي وظاهرة
الاغتراب ظاهرة عامة واقعية كما أنها من أبرز مشكلات المجتمع اليمني.
2- استخدام الكاتب اللغة الفصحى برغم انتشار العاميّه وهذا يدل على أن
الكاتب مؤمن بأن الواقعية واقعية الفن وليست واقعية اللغة.
3- تصوير الكاتب لبعض العادات الاجتماعية المنتشرة في البيئة القروية
وبصدق وخاصة ما يدل على الجهل المنتشر آنذاك في المجتمع اليمني.
5) الـحـبـكـــة : (وتتضمن العقدة والحل) :
· فالعقدة : هي عودة
المغترب على أمل أن يأخذ بيد أفراد أسرته ولكن الحدث عكس هذا تماماً.
· الحل : محاولة الزوجة في علاج زوجها
دون جدوى.
ليته لم يعد للكاتب محمد عبدالولي : قصة قصيرة. |
أقرأ ايضاً :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق