الصياغة الشعرية (الصور التعبيرية) ( الألفاظ والعبارات, الصور والأخيلة, الموسيقا ).

{[['']]}


الصياغة الشعرية (الصور التعبيرية) ( الألفاظ والعبارات / الصور والأخيلة  /  الموسيقا )
تـمهيـــد :
الشعر هو الفن الوحيد الذي تلتقي فيه الفنون الجميلة ، ففيه:
* من الأدب (فن الكلمة).           * ومن الموسيقا (إيقاع النغم).
* ومن النحت (تجسيم المعاني).    * ومن الرسم (تصوير المواقف الشعرية).
1) الألـفـاظ والـعبـارات :
· الألفاظ والعبارات هما الوعاء الذي أفرغ فيه الشاعر أفكاره وعاطفته وخياله. فيقول ابن الأثير : ( وترى ألفاظ البحتري كأنها نساء حسان، عليهن غلائل مصبغات، وقد تحلين بأصناف الحلي).
· الشاعر لا يختار لفظته ولا يصوغها مع غيرها عفواً، وإنما يختارها ويصوغها مع غيرها ليكسبها طاقة فنية من المشاعر والدلالات التي تعطيها قيمتها وحياتها وأثرها في نقل التجربة.
· اللفظة هي مادة التعبير في التجربة ، وهي الأداة السحرية التي يستخدمها الشاعر بما يحملها من دلالات ليصل بها إلى المتلقي.
· تكتسب اللفظة دلالتها في التعبير الشعري من خبرة الشاعر ومعاناته ، وبهذا تصبح لها دلالتها الخاصة بها
* معاييـر الشاعـر الجيـد :
1) هو الذي يستطيع أن يستفيد من رصيده اللغوي عن طريق توظيفه في مواقفه الانفعالية. أي: أن الشاعر حين يختار كلماته لا بد وأن تكون موحية بعاطفته ، معبرة عن فكره بدقة. وكذلك عند اختياره للكلمات المجازية فيراعي تأديتها لوظيفتها الدلالية الوثيقة الصلة بالحالة النفسية عنده .
2) الشاعر الجيد هو الذي يهتم بتنقيح قصائده :أي: يهتم باختيار الألفاظ المناسبة وتبديل غير المناسبة منها عن طريق :(اللغة ، النحو، العروض، الوزن ، القافية). وقد ظهر ذلك في تاريخ الأدب العربي على مر العصور ، فنجد :
* ( زهير بن أبي سلمى ) و( النابغة الذبياني ) في العصر الجاهلي.
* والشاعر المخضرم (الحطيئة ) و (الفرزدق) في العصر الأموي.
*(أحمد شوقي ) في العصر الحديث، وغيرهم ..... فقد اهتموا بتنقيح قصائدهم .
3) الشاعر الجيد هو الذي يبدع في تنويع وتلوين الجمل بحسب الحاجة التعبيرية: فيعرف متى يستخدم الجمل الاسمية أو الفعلية ، وألا يغفل قوانين اللغة فيدرك : متى يوجز ، ومتى يطنب ، ومتى يحذف ، ومتى يذكر ، ومتى يظهر ، ومتى يضمر ، ومتى يقدم ، ومتى يؤخر ، ومتى يفضل الأسلوب الخبري على الإنشائي والعكس ، وذلك حسب ما يقتضيه المقام .
* شروط جمال اللفظة عند البلاغيين :
1 -  فصاحة الكلمة .                                        
2 -  دقتها في موضعها .
3 -  بعدها عن الغرابة والتنافر مع غيرها من الكلمات .
4 -  ثراؤها بما تحمله من مشاعر وإيحاءات وانفعالات .
2) الـصــور والأخيـلـة
·  الصور والأخيلة : هي جزء من الصياغة الشعرية وهي بجانب الموسيقا والألفاظ يعتمد عليها الشاعر في نقل مزيج فكره بعاطفته فيُسمى ذلك (التجربة الشعرية)
· عنصر التصوير لـه أثره القوي : في نقل فكرة الشاعر وعاطفته نقلاً قوياً مؤثراً ، ولذلك يُقال:  E (إنَّ الشعر أفكار مصورة).
· الصور والأخيلة أدوات فنية (موحية): بدلالتها يستخدمها الأديب لينقل إلينا أفكاره ومشاعره بصورة مؤثرة في النفس ، ومن هنا يطلق بعض الدارسين والنقاد على الشعر اسم : (الرسم بالكلمات).
* أنــواع الصــور : (كليـة / جزئيـة)

1) الصورة الكلية :  ويطلق عليها (اللوحة الفنية).
وهي تمثل الإطار الفني لتجربة الشاعر النفسية حول الموضوع الذي يتحدث عنه، وتتكون من مجموعة متآلفة من الصور الجزئية تعرض لوحة فنية متكاملة الأجزاء لمعنى من المعاني أو مشهد من المشاهد ، ولها خطوط فنية تتمثل في: (الصوت / اللون /  الحركة).
2) الصورة الجزئية : 
    وهي صور خيالية تعتمد على الخيال. وتشمل: (التشبيه /الاستعارة / الكناية / المجاز المرسل)
* شـروط جمــال الصـورة :
1 -  أن تكون متفقة مع الوجدان الذي أوحي بها .
2 -  أن يكون لها أثر في نمو التجربة واكتمال العمل الفني .
3 -  أن تكون أقرب إلى الإيحاء بالفكرة لا التصريح بها .
4 -  أن ترتبط بغيرها من الصور وتتلاءم مع الفكر والشعور .

3 ) الـمـوسـيـقـا :
 *  الشعر موسيقا ذات أفكار : (علل) ، وذلك لأن الشعر هو لغة التعبير عن العاطفة ، فتبعث المتعة في نفس القارئ أو السامع بأسرع الطرق .
* بجانب وحدة الوزن والقافية ظهر في الشعر الحر نغم موسيقي ينبع من وحدة التناغم الصوتي للكلمات أفعال وأسماء، ومن تتابع الحركات والسكنات في الكلمات ومن الجرس الموسيقي للحرف نفسه ، ومن تماثل الحرف وتألفه مع الحروف الأخرى في الكلمة والكلمات في الجملة.ولذلك استقر هذا النظام الشعري الموسيقي دليلاً على الذوق العربي ، وصار قادراً على إغناء التجارب الشعرية وتعميق انفعالاتها .

* أنـواع الموسيقـا ومصـادرهــا : (خارجية / داخلية).
1) الخارجية  : تنبع من (وحدة الوزن ووحدة القافية).
2) الداخلية : (ظاهرة وخفية) :
أ - الظاهرة :  وتنبع من (الطباق، أو المقابلة، أو الجناس، أو التصريع، أو حسن التقسيم، أو الازدواج، أو تناغم الأوزان الصرفية، أو تكرار بعض الحروف أو الكلمات) .
ب - الخفية : وهي هزات نفسية تشيع في النفس عند قراءة الشعر أو سماعه ، فهي تنبع من الدلالات والإيحاءات .ومصـدرها:
* اختيار الشاعر لكلمات ذات وقع خاص .               * حسن تنسيق هذه الكلمات .
*  ومن صدق العاطفة .                           * ومن ترابط الأفكار
* وروعة التصوير .                                 * ودلالات الجمل .

ملحوظات هـامـة :

1-   الــوزن : هو عبارة عن وحدات موسيقية تسمّى ( تفعيلات )، ووظيفتها ضبط النغم ، وكل مجموعة منها تسمّى ( بـحــــــراً ).
2- القـافيـة : وهي مجموع آخر حرفين ساكنين من البيت الشعري مع أول حرف متحرك بينهما ووظيفتها ضبط الإيقاع .
3- حسـن التقسيم : هو تقطيع البيت الشعري أو أحد شطريه إلى أجزاء متساوية ، متفقة في الحرف الأخير أحياناً.
4- التصـريـع : وهو اتفاق آخر شطري البيت الأول في القصيدة الشعرية في الوزن  وفي الحرف الأخير ويكون عادةً في مطلع القصيدة وإذا وجد في غير هذا الموضع من القصيدة يعتبر مأخذاً على الشاعر.
5- الازدواج :  هو التوازن الموسيقي بين الجمل في البيت الواحد ، وبدون سجع .

مثال توضيحي على الصياغة الشعرية:  (الألفاظ والعبارات / الصور والأخيلة / الموسيقا)
قال الشاعر البحتري يمدح أحد وزراء الخليفة المعتمد (أبو صقر إسماعيل بن بلبل):
ونضا من الستين عنه ما نضا
مرضٌ أعلَّ به القلوب وأمرضا
ديناً دنا ميقاتُه أن يُقتَضى
وأسافَ من وصلِ الحسانِ وانقضا
أسفاً على عهدِ الشبابِ وما انقضى

***
***
***
***
***
ترك السوادَ للابسيه وبيضاً
وشآه أغيدُ في تصرف لحظهِ
وكأنه ألفى الصِبا وجديدهُ
أسيانُ أثرى من جوى وصبابةٍ
كلفٌ يكفكف عَبْرةً مهراقةً

 التـوضيـح :
1- هذه الأبيات في المدح (رغم نفورنا من المدح بسبب تكلفه) إلا إنه مدح مقبول فهو هنا تجربة شعرية يتحدث فيها الشاعر عن هموم أثارت أحزانه وتتمثل في الشيخوخة.
2-  في هذه الأبيات جرد الشاعر بنفسه شخصاً ويتحدث عنه (هذا تقليد فني في الشعر العربي القديم).
3- الفكر في الأبيات: يتحدث الشاعر (بحزن) عن سواد شعره وقد غراه الشيب وعن ما بلغ من العمر بينما يغلبه هواء فتاه تمرض القلوب بنظراتها ويتحسر على ضياع الشباب الذي شبهه بالدين اقترب موعد سداده ويصف غناه بالحب، وفقره بوصل الحسان. ولذلك فهو لا يملك إلا الدموع والبكاء أسفاً على أيام الشباب التي انقضت.
4-   الـوجـدان في الأبيات: الحزن والأسف على أيام الشباب.
5-   الألفاظ والجمل في الأبيات:
·   استعمل الشاعر أفعال ذات دلالة موحية ومن ذلك: (ترك) يدل على الانفصال. (نضا) يؤكد الفعل (ترك) ويضيف الحركة الواهية التي توحي بها النون والضاد.
·      استعمل الشاعر لغة الألوان فذكر (الأبيض) الدال على الفرح، (الأسود) الذي يوحي بالحزن والمعاناة.
·       استعمل الشاعر كلمة (الستين) وهي تحمل القيمة العددية وأحزان مكثفة لأنها مرحلة يستشعر فيها الإنسان الهواجس.
·       استعمل الشاعر (التضعيف) ليدل على التكثير ومن ذلك: (بيَّضا) ليوحي أن البياض أتى على شعره.
·   بين الشاعر أن (الستين) أثرت على هيئته لكنها لم تؤثر على عواطفه فما زال يميل إلى الغيد الحسان فاستخدم الفعل (شآه) بمعنى غلبه (جعل الغلبة من الغيد الحسان).
·       استعمل الشاعر الترادف بقصد التأكيد ومن ذلك: (أعلَّ / أمرضا).
·       استعمل الشاعر كلمة (الأسيان) وهو الحزين. (أثرى) كثر ماله. (أساف) ذهب ماله. وهنا مقابلة بين (أسيان/ أساف).
6-   الـصــور والأخيلـة :
الصورة الكلية هنا هي مجموعة صور جزئية  ولها ثلاثة خطوط وهي : (اللون والصوت والحركة) ومن الصور الجزئية :
·   (للابسيه/ نضا): استعارة مكنية حيث صور الشاعر بياض شعره وسواده بالثياب ووجه الشبه هنا الزينة ليدلل على أنه ترك السواد بما يحمل من حزن ولبس البياض.
·       (نضا من الستين): استعارة مكنية حيث صور الستين في هذه المرحلة بالثوب الذي يخلعه متى شاء.
·       أسند الشاعر الفعل (أعل / أمرض): إلى لحظه.
·       (ألفى الصبا ديناً) : تشبيه بليغ حيث شبه الشاعر الصبا بالدين الذي آن أوان سداده.
·       (أثرى من جوى وصبابة) : تشبيه بليغ حيث شبه الشاعر شدة صبابته بالغنى.
·       (أساف من وصل الحسان): تشبيه حيث شبه وصل الحسان بالفقر.
       خطوط الصور الكلية هي :
 * الصوت : (أسفاً).     * اللون : (السواد / بيضاً).     * الحركة: (ترك/ يكفكف).
7-   الـمـوسيقــا :   الموسيقا في الأبيات خارجية وداخلية
   أ -  الموسيقا الخارجية: جاءت من الوزن والقافية
* فالـــــــوزن  : على البحر الكامل وتفعيلاته هي :
متفاعلن متفاعلن متفاعلن

***
متفاعلن متفاعلن متفاعلن

* القــــافيــــة : توحيد حرف الروي في آخر الأبيات وهو (الضاد)
·       يرى النقاد أن البحر الكامل أكثر بحور الشعر جلجلة وحركات ويصلح للجد والغزل.
ب -  الموسيقا الداخلية : جاءت من :
·       الشاعر  استعمل بالإضافة إلى هذا البحر الأفعال (ترك/ نضا / دنا) على وزن (فعل).
·       الشاعر استعمل المصادر الثلاثية المنونة (مرضٌ / ديناً / أسفاً).
·       الشاعر استعمل أصواتاً معينة متقاربة (بيضاً / نضا / مانضا).
·       الشاعر استعمل أفعال وأسماء على وزن (أفعل) منها (أغيد / أمرضا / أثرى).
·   الشاعر استعمل الجناس والتضعيف والحروف المتقاربة كحرف (السين) الذي أحدث انسياباً موسيقياً مؤثراً (أسيان / صبابة/ أساف / الحسان).
·       الشاعر  ردد حرف (الدال) ومن ذلك (جديده / ديناً / دنا).

·       استعمل الشاعر حسن التقسيم (وكأنه/ ألفى الصبا/ وجديده / ديناً دنا / ميقاته/ أن يقتضى).
شارك الموضوع ليراه أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
إتضل بنا | فهرس المدونة | سياسة الخصوصية
جميع الحقوق محفوظة لموقع شبكة أجداور
Created by Maskolis Published by Mas Template
powered by Blogger Translated by dz-site