{[['']]}
قضية الشكل والمضمون
كبرى القضايا النقدية : (علل): لأنها تعالج أساس
البناء في الفن الأدبي.
* أول مــن تـحــدث عنهــــا :
1 -
(الجاحظ) : في العصر العباسي
الثاني (فضل اللفظ دون المعنى). فقال :
· (المعاني مطروحة في الطريق يعرفها
العجمي والقروي والبدوي وإنما الشأن في إقامة الوزن, وتخيير اللفظ, وسهولة المخرج وفي صحة الطبع
وجودة السبك).
· الجاحظ : لم يركز على اللفظ دون المعنى
ولم يهمل المعاني من حيث القيمة والطرافة في كتبه. (البيان والتبيين / البخلاء).
2 - جاء بعده (ابن قتيبة) :
(دعاء إلى الاهتمام باللفظ والمعنى كلٌ على حده) لأن الرداءة والجودة قد يكونان في
اللفظ أو المعنى أو فيهما معاً.
3 - جاء (ابن رشيق) :
أوجد التلاحم بين اللفظ والمعنى (الشكل والمضمون). لأنه لا يصلح الفصل بينهما.
فاللفظ جسم والمعنى روح في العمل الأدبي ويرى ضعف اللفظ كالمرض العضوي.
أراء النقاد حول الشكل والمضمون : (ثــــلاثـــــة
أراء) :
1- الاعتناء باللفظ دون المعنى.
2- الاعتناء باللفظ والمعنى كل منهما على
حده.
3- الاعتناء باللفظ والمعنى في نطاق
التلاحم.
* هذه الآراء محل نظر النقاد في العصر الحديث فكل منها له مؤيدوه.
أمثـلــة علــى ذلــك :
1) قال الشاعر (كثيّر عزة ): من شعراء العصر
الأموي :
ولما قضينا من منى كل حاجةٍ
وشدت على حدب المطايا رحالنا أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا |
***
***
***
|
ومسح بالأركان من هو ماسحُ
ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ وسألت بأعناق المطيّ الأباطحُ |
التـوضـيـح:
·
المعاني : (بعد
أن أخذنا حاجتنا من منى وطاف من يريد الطواف بالبيت وحملت المطايا أدوات السفر
وسار كل واحد إلى سبيله تجاذبنا أطراف الحديث وانطلقت بنا الإبل).
·
الألفاظ :
ليس مختاراً بعناية بسبب انعدام التفاعل العاطفي تجاه هذه المعاني فجاءت الألفاظ
باردة والتراكيب متكلفة. مثل :
(
كل حاجة / مسّح
/ الذي هو رائح / أخذنا بأطراف
الحديث بيننا) .
نــرى :
§
(كل
حاجة): لا داعي لكلمة كل.
§ (مسّح ) : فيها تكلف ولا دلالة للتضعيف فيها
وإنما جاءت لأجل الوزن.
§ (من هو / الذي هو ) : جاءت رصف لفظي لإقامة
الوزن.
§ (أخذنا ) : تغني عن كلمة (بيننا) فلا داعي
لها ولكن جاءت لإكمال التفعيلة.
* نرى : أن ضعف المعاني جاء نتيجة لانعدام حرارة العاطفة وضعف
لاختيار الألفاظ. فجاءت المعاني مباشرة وسطحية.
2)
قال الشاعر المعاصر (عمر أبو
ريشه):
أمتي هل لك بين الأمم
أتلقاك وطرفي مطرق |
***
***
|
منبر للسيف أو للقلم
خجلاً من أمسك المنصرم |
التـوضيــح :
1-المعنى : (يا أمتي الساكنة في
قلبي أخبريني هل لك مكانة بين الأمم في مجالي القوة العسكرية والسبق العلمي اللذين
يجعلان لك الهيبة والاحترام؟ وأنا أتأمل حياتك الضعيفة فأشعر بالخجل من ماضيك
المشرق المجيد، فلا يصح لأمة ذات مجد أن تضعف).
* فالمعاني : عميقة
وكثيرة حيث جمعت بين الماضي والحاضر للأمة وجاءت في حُلَّة قشيبة من الألفاظ.
2-الألفـــــاظ
: تناسب حجم المعاني ومنها:
§ (أمتي): أقوى في
الجرس اللفظ وأكثر فخامة من (أهلي أو قومي أو أخوتي أو أبناء ديني).
§ (أمتي): إضافة أمة إلى ياء المتكلم. توحي بمدى
هيامه بها وحرصه عليها. وهي أقوى من : (يا أمة أنا منها).
§ (هل
لك بين الأمم): أقوى من (ألك...) لأنها أكثر هيبة وأقوى صوتاً.
§ (الأمم ): أقوى من (الأجناس أو الشعوب) لأنها
أكثر هيبة وأقوى صوتاً.
§ (منبر): أجمل من (منتدى) لأنه نطق الراء
المضمومة المفخمة بعد الباء المفتوحة يتناسب مع المكانة المرموقة للأمة.
§ (السيف والقلم): يوحيان بأصالة الأمة. (فالقلم
أعلى صوتاً من السيف) لأنه رمز العلم والتعبير الحر و(السيف) رمز القوة والهيبة. وصوت القوة لا
يكون إلا بقدر الاحتياج.
3
- الشاعر هنا : وازن بين الشكل والمضمون إلى درجة عالية.
4 -
العاطفة : ضعفت بعض الشيء في قولـه (أمتي / طرفي
مطرق / خجلاً). لأن الموقف يقضي مواجهة المخاطبين بالحقائق أكثر من إثارة العاطفة.
وهذا دليل على أن جودة الشعر (لفظاً ومعنى) لا يعتمد على العاطفة وحدها. المهم
اختزال المعاني وإخراجها في شكل مناسب مع وجود قدر من التفاعل العاطفي.
3) قالت الشاعرة المعاصرة (نازك الملائكة) :
أرْجعْ فالليلُ تثير مخاوفُه قلقي
وأنا وحدي والنجم بعيد في الأفق يخدعني أمل في فجر لم ينبثق وصبابة دمعٍ باردةٌ لم تحترقِ. |
التــوضيــح :
1 -
المعاني : تخيلت الشاعرة طارقاً يطرق بابها في هدأة الليل وكأنها تعرفه
فقالت لـه: أرجع فلا مكان لك هنا لأن الليل قد ملأه بالمخاوف والوحشة مما جعلني
مضطربة قلقة، وأنا أكابد هذه المخاوف وحدي ليس معي إلا النجم الذي أسهر معه دائماً
وهو بعيد عني في أقصى الأفق، لقد يئست من كل شيء إلا من بصيص أمل يحاول أن يخدعني
بطلوع فجر لم يبزغ بعد! وإلا بقية من صبابة باردة تنبعث بين جوانحي كذكريات قديمة
جميلة لم تحترق، ولولا الأمل في الفجر والذكريات الجميلة لما بقي عندي شيء من
الحياة !
* هذه المعاني
أخرجتها الشاعرة في شكل يكاد ينطق التردد النفسي للشاعرة من خلال :
v
الوزن : اعتمدت الشاعرة على تفعيلة (فعْلنْ). حركة ثم سكون مكرر ليدل على عدم
الاستقرار.
v
القافية :
القاف لتساعد في عدم الاستقرار.
v اختيار
الألفاظ: (تثير / مخاوف / قلق / وحدي): مشحونة بالعاطفة ومتكافئة مع المعنى يغلب
عليها الجانب الأنثوي مما أعطى الأبيات صدقاً للعاطفة.
ملحوظـة هـامـة :
1-العمل الأدبي يجب أن يشكل فيه اللفظ والمعنى تلاحماً عضوياً
كالروح والجسد كما في الأمثلة السابقة.
2-
هذا الرأي هو
الأصح وصاحبه عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز).
أسئلـة وتمارين (مُجاب عنها)
س1/ بم ينفرد الشعر في مجال الشكل عن غيره من فنون النثر؟
ج1/
ينفرد الشعر في الشكل: بالمحافظة على الوزن والقافية.
س2/ قال البحتري
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وتماسكت حين زعزعني الدهـ |
**
**
|
وترفعت عن جَداَ كل جِبْسِ
ــر التماساً منه لتعسي ونكسي |
أ - ما
المعاني المتضمنة في البيتين؟
ب - هل وفق
الشاعر في اختيار ألفاظ مناسبة للمعنى؟ وضح ذلك .
جـ - ما
الذي أضفاه صوت السين في كلمات البيتين؟
ج2/ أ - المعاني : حفظت نفسي عما يدنسها وابتعدت عن
عطايا اللئيم الجبان. ومن طبيعتي أنني أصبر على حوادث الزمن التي تسعى إلى شقائي
فلا ألين لها.
ب - نعم
وفق الشاعر في اختيار ألفاظ مناسبة للمعنى ومن ذلك :
§
(نفسي):
تكررت بغرض التأكيد على أهمية المحافظة على النفس.
§ (ترفعت):
توحي بسمو الشاعر بنفسه.
§ (تماسكت): توحي بالتكلف في الفعل وأنه كأن
ينهار أمام الأحداث لولا تماسكه.
§ (زعزعني): توحي بشدة الفعل وكثرة محاولة
الدهر في زعزعته.
جـ - تكرار
حرف السين هو إحداث صفير يطرب لها النفس ويحرك ساكنها.
س3/ قال الزبيري :
خرجنا من السجن شمَّ الأنوف
نمرّ على شفرات السيوف |
***
***
|
كما تخرج الأسْد من غابها
ونأتي المنية من بابها |
*
وقال في الحنين إلى الوطن :
ذكريات فاحت بريا الجنان
عمر في دقيقة مستعاد |
***
***
|
فسبت خاطري وهزّت حناني
ودهور مطلّة في ثوان |
§
(فاحت)
: توحي بالشوق والحنين إلى الوطن.
§
(الجنان)
: توحي بجمال طبيعة الوطن.
§
(هزت)
: توحي بشدة اشتياقه إلى وطنه.
أ
- تلمَّس الفرق في استخدام الألفاظ بين
الأسلوبين السابقين.
ب
- هل هناك مواءمة بين الشكل والمضمون في
الأسلوبين؟ كيف كان ذلك؟
ج3/ أ - الفرق:* الأسلوب
الأول جاء جزيل الألفاظ لأنها تدل على الغضب الثوري فهي تناسب ذلك.
* الأسلوب الثاني: جاء رقيق الألفاظ لأن الرقة
تناسب الحنين والشوق.
ب -
نعم هناك مواءمة بين الشكل والمضمون في الأسلوبين. حيث جاءت الألفاظ مناسبة
للمعنى ومن ذلك :
§
(سجن) : توحي باستبداد الإمام.
§
(شم الأنوف) : توحي بالعزة والكرامة.
§
(شفرات السيوف) : توحي بالمخاطر التي تعترض مسار الثوار.
س4/ للنقاد
آراء حول الشكل والمضمون :
أ - ما الرأي الذي تميل إليه ؟
ب - دلل على صحة الرأي الذي اخترته ببيتي شعر مما
تحفظ .
ج4/
أ - آراء النقاد حول الشكل
والمضمون ثلاثة :
· منهم من يرى أن القيمة لجودة الشكل دون
المضمون.
· منهم من يرى وجوب الاعتناء بكل منهما
على حده.
· منهم من يرى العناية بهما معاً كجسد
وروح.
* أنا أميل إلى الرأي الثالث
(العناية بهما معاً كجسد وروح).
ب - أبيات من الشعر تدلل على صحة الرأي الثالث: قال
البارودي:
لعمري لقد طال النوى وتقطَّعتْ
فإن تكنِ الأيامُ ساءت صروفُها |
***
***
|
وسائلُ كانت قبلُ شتَّى المواثقِ
قإني بحمدِ الله أولُ واثقِ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق